بيان عدالة للجميع حول الاختطاف والاعتقال التعسفي للقاضي مراد المسعودي
تواصل السلطات التونسية تفكيك أسس النظام القضائي
وضمانات المحاكمة العادلة
22أغسطس 2025 | تدين جمعية عدالة للجميع بشدة الاختطاف والاعتقال التعسفي للقاضي مراد المسعودي، رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان، الذي تم اعتقاله مؤخرًا في ظروف تنتهك المعايير القانونية والدولية لحقوق الإنسان.
إن القاضي مراد المسعودي ليس مجرد قاضٍ، بل هو أيضًا مرشح سابق للانتخابات الرئاسية، وقد تعرض للاستهداف السياسي والقانوني، خاصة في سياق الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حيث تم منعه إلى جانب عدة مرشحين آخرين من الترشح بسبب إجراءات تعسفية اتخذها الرئيس قيس سعيد بعد الانقلاب الدستوري في 25 يوليو 2021 ؛ كما أنه من بين القضاة الذين تم عزلهم بموجب الأمر الرئاسي عدد 516 المؤرخ في 1 يونيو 2022، قبل أن تقوم المحكمة الإدارية بإعادة تأهيله وإثبات شرعية وضعيته القانونية كقاضٍ، مما أعاده إلى منصبه مع حصانته القضائية كاملة.
أعوان الأمن بزي مدني يعتدون على القاضي مراد المسعودي وعائلته وحرمة مسكنه ويقتادونه إلى مكان غير معلوم
تعرض القاضي مراد المسعودي للاختطاف والتعنيف أثناء وجوده مع ابنته الصغيرة إذ اعترض طريقهما مجموعة من الرجال ادعوا أنهم من عناصر الشرطة رغم ارتدائهم زيًا مدنيًا دون أي علامات تميزهم أو الاستظهار بما يثبت انتماءهم إلى أجهزة الأمن وعندما طلب القاضي المسعودي من هؤلاء الرجال الاستظهار بما يثبت صفتهم، تعرض للاعتداء بالعنف الجسدي من طرفهم، كما طال العنف ابنته الصغيرة.
استطاع القاضي إنقاذ ابنته من السيارة، والتي قامت بدورها بالجري إلى المنزل والاستنجاد بأفراد العائلة وإعلامهم بأن والدها يتعرض للعنف والاختطاف. تؤكد زوجة القاضي المسعودي أن أعوان الشرطة قاموا بتهشيم باب المنزل العائلي والاعتداء بالعنف الشديد على من كانوا حاضرين داخله، مما أدى إلى إصابات استدعت نقل بعض أفراد الأسرة إلى المستشفى، في خرق واضح لحرمة المسكن وتعريض الأطفال للعنف الجسدي والنفسي.
كما أكد المحامي سمير بن عمر، عضو هيئة الدفاع، أن القاضي المسعودي تعرض للعنف الجسدي الشديد لحظة إيقافه، قبل أن يتم اقتياده إلى مكان غير معلوم بالنسبة لعائلته أو محاميه لساعات طويلة، مما شكل حالة من الرعب والقلق الشديدين لدى الأسرة.
خرق جسيم وواضح للقانون والإجراءات وللحصانة القضائية
تبين حسب هيئة الدفاع أن إيقاف القاضي مراد المسعودي كان مبنيا على تهمة تتعلق بترشحه للانتخابات الرئاسية لسنة 2024، حيث اتُهم بتقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب وصدر ضده حكم غيابي بإدانته وسجنه مدة 8 أشهر.
أكد محاميه أن القاضي المسعودي اعترض على ذلك الحكم الغيابي الابتدائي وتم قبول اعتراضه شكلا مع إبقائه بحالة سراح وأن المحكمة أدانته لاحقاً، ولكن دون إكساء الحكم بالنفاذ العاجل. تسلم اثر ذلك القاضي المسعودي شهادة في كف تفتيش تم بموجبها إنهاء مفعول منشور التفتيش الصادر في حقه، ولكن تم إصدار منشور تفتيش جديد قبل اعتقاله مباشرة.
أكد محاميه أن هذا الحكم لم يعد له أي أثر قانوني، وأن الحكم الصادر ضده لا يكتسي صفة النفاذ العاجل، وكان من المفترض أن يبقى بحالة سراح و مع ذلك، تم إصدار منشور تفتيش وبطاقة إيداع في حقه في خرق جسيم وواضح للقانون والإجراءات القضائية السليمة.
إن ما يجعل هذه القضية أكثر خطورة هو أن القاضي مراد المسعودي يتمتع بالحصانة القضائية الكاملة بموجب القرار الصادر عن المحكمة الإدارية الذي أبطل قرار عزله الرئاسي وأعاده إلى منصبه و هذا يعني أن أي متابعة جزائية ضده يجب أن تخضع للضمانات القانونية المنصوص عليها عند إثارة التتبعات الجزائية ضد القضاة، ومن أهمها احترام الحصانة القضائية والإجراءات الخاصة المنصوص عليها قانونا.
تصاعد الانتهاكات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية
يمثل اعتقال القاضي مراد المسعودي، بما رافقه من اقتحام منزله والاعتداء على أفراد أسرته بمن فيهم الأطفال، خرقاً واضحاً للفصل 30 من دستور الجمهورية التونسية الذي يكفل حماية الحياة الخاصة وحرمة المسكن، فضلاً عن مخالفته للقوانين الأساسية المنظمة للقضاء وللحصانة القضائية المكفولة دستورياً. كما أن استهداف الأطفال بالعنف الجسدي والنفسي يشكل خرقاً فاضحاً لحقوقهم المضمونة دستورياً وقانونياً.
هذه الانتهاكات، التي جرت داخل الإطار الوطني، لا تقف عند حدود الدستور والقانون الداخلي، بل تمتد لتصطدم مباشرة بالتزامات تونس الإقليمية، إذ تتعارض مع المادة 5 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي تحظر المعاملة القاسية واللاإنسانية، ومع المادة 6 التي تضمن الحق في الحرية والأمان الشخصي، فضلاً عن انتهاكها لأحكام الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل الذي يحمي الأطفال من كل أشكال العنف والصدمة النفسية.
أما على الصعيد الدولي، فإن هذه الأفعال لا تنفصل عن خرقها للمادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تحظر الاعتقال التعسفي والمادة 5 التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة، كما تشكل انتهاكاً مباشراً للمواد 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الضامنة للحق في الحرية والأمان الشخصي والحق في محاكمة عادلة أمام قضاء مستقل ؛ إلى جانب ذلك، فإن تعريض الأطفال للعنف يضرب عرض الحائط بالمواد 3 و19 من اتفاقية حقوق الطفل التي تلزم الدولة بإيلاء المصلحة الفضلى للطفل الاعتبار الأول وحمايته من جميع أشكال الإيذاء وهكذا يتضح أن ما تعرض له القاضي مراد المسعودي وعائلته يشكل خرقاً متعدد المستويات، يجمع بين خرق الدستور والقوانين الوطنية، وعدم الالتزام بالمعايير الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان، في صورة تجسد انهياراً خطيراً لسيادة القانون وضمانات المحاكمة العادلة في تونس.
انهيار ضمانات المحاكمة العادلة والاستهداف الممنهج للمحامين والقضاة
تأتي هذه الانتهاكات في سياق تدهور جسيم لضمانات المحاكمة العادلة في تونس خلال السنوات الأخيرة وقد حذرت الهيئة الوطنية للمحامين بتونس من "الخروقات القانونية والإجرائية في محاكمات الرأي للنشطاء والسياسيين والإعلاميين"، مؤكدة أن هذه الممارسات "تهدد علوية القانون".
وقد أبرز خبراء أمميون قلقهم إزاء الاستهداف المنهجي للمحامين في تونس، حيث أكدوا أن "استهداف المهنيين القانونيين بسبب أدائهم ودورهم في منظومة العدالة أو ممارستهم لحقهم في حرية التعبير يشكل انتهاكا خطيرا لنزاهة الإجراءات القضائية".
إن هذا الاستهداف يؤكد حملة ممنهجة لتفكيك أسس النظام القضائي وضمانات المحاكمة العادلة في تونس، في إطار مشروع شمولي يسير نحو السيطرة الكاملة على السلطة القضائية وتطويعها كأداة قمع ضد المعارضين.
سحب اختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
في خطوة تعكس رفض النظام التونسي للمساءلة الدولية والشفافية، قررت السلطات التونسية في 7 مارس 2025 سحب اعترافها باختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في تلقي العرائض من الأفراد والمنظمات غير الحكومية، حيث تم تقديم الإخطار بتاريخ 3 مارس 2025 وإبلاغه رسميا في 7 مارس 2025.
جاء هذا القرار بعدما طالبت المحكمة الإفريقية تونس بالعودة إلى دستور 2014 واحترام الحقوق الأساسية، وأصدرت قرارات تطالب بإيقاف مراسيم رئاسية تنتهك مبدأ الفصل بين السلطات.
اعتبرت جمعية عدالة للجميع هذا الانسحاب دليلاً إضافياً على التدهور المستمر في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون في تونس منذ تفرد الرئيس قيس سعيد بالسلطة في 25 يوليو 2021، وانتكاسة خطيرة لالتزامات تونس الإقليمية والدولية ؛ إذ يجسد هذا الانسحاب تجاهلا واضحا للالتزامات الدولية ورفضا مكشوفا للخضوع لأي رقابة خارجية على انتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة في البلاد.
انهيار القضاء وسيطرة السلطة التنفيذية
إن قضية القاضي مراد المسعودي لا يمكن فهمها بمعزل عن السياق العام لتدهور أوضاع القضاء في تونس منذ الانقلاب الدستوري الذي قام به قيس سعيد منذ أربع سنوات فقد شهدت البلاد منذ ذلك التاريخ تدهورا خطيرا ومنهجيا في استقلالية القضاء، حيث سيطر الرئيس على السلطات الثلاث وحولها إلى مجرد أدوات لقمع المعارضة والأصوات الناقدة.
ويأتي اعتقال القاضي المسعودي في إطار حملة ممنهجة لاستهداف المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية 2024، حيث يتم استغلال السلطة القضائية المطوعة لتلفيق التهم ضد كل الأصوات الناقدة والمعارضة بهدف الزج بها في السجون وإسكاتها نهائيا؛ وللتذكير، شهدت الانتخابات الرئاسية التونسية لعام 2024 تجاوزات جسيمة وانتهاكات منهجية للعملية الديمقراطية، حيث قامت السلطة التنفيذية بعرقلة الانتخابات وحرمان المواطنين من حقهم في الاختيار الحر. إذ تم رفض ترشح العديد من المرشحين المؤهلين دستوريا وقانونيا، بما في ذلك القاضي مراد المسعودي وآخرين، من خلال قرارات تعسفية لا تستند إلى أسس قانونية سليمة.
مطالب جمعية عدالة للجميع
إن ما تعرض له القاضي مراد المسعودي وعائلته يمثل نموذجاً صارخاً لانتهاك حصانة القاضي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية وكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويكشف عن مدى تجذر ثقافة الإفلات من العقاب كما تؤكد هذه الممارسات وجود توجه خطير نحو تقويض استقلالية القضاء وتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب الضمانات الدستورية.
بناء على ما تقدم، تطالب جمعية عدالة للجميع بشكل عاجل وفوري بما يلي:
· الإفراج الفوري عن القاضي مراد المسعودي والتراجع عن كل الإجراءات المتخذة ضده في إطار هذه القضية
· ضمان عدم التعرض له أو لعائلته مستقبلا
· فتح تحقيق شامل ونزيه في ظروف اعتقاله والاعتداءات التي تعرض لها هو وأفراد عائلته
· محاسبة كل المسؤولين عن هذه الانتهاكات الجسيمة أياً كانت مراتبهم
· احترام الحصانة القضائية للقاضي المسعودي والالتزام الصارم بالضوابط والإجراءات القانونية والدستورية المنصوص عليها
· وقف حملة الاستهداف السياسي المنهجية ضد المعارضين والمرشحين السابقين
· التوقف نهائيا عن استغلال القضاء لتحقيق أهداف سياسية ضيقة
· إعادة ضمانات المحاكمة العادلة ووقف الانتهاكات في المحاكمات السياسية
· العودة إلى الشرعية الدستورية واحترام مبدأ الفصل بين السلطات
· إعادة الاعتبار للقضاء كسلطة مستقلة تماما عن التدخلات السياسية
· التراجع الفوري عن قرار الانسحاب من المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
· التعاون الكامل مع المجتمع الدولي والآليات الأممية والإفريقية لحقوق الإنسان
إن حماية حقوق الإنسان في تونس تتطلب تحركاً عاجلاً وفعّالاً من جميع الأطراف الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك من أجل وضع حدّ للانتهاكات وضمان عدم تكرارها. إن الوقت الراهن يفرض استجابة مسؤولة تساهم في صون الكرامة الإنسانية وتعزيز سيادة القانون ودعم مؤسسات الدولة، بما يتيح للشعب التونسي أن يعيش في كنف الحرية والعدالة والمساواة، في إطار نظام ديمقراطي يكرّس الحقوق والحريات ويصونها.

