بيان جمعية عدالة للجميع بشأن الاعتداء المسلح على محكمة بوسليم وتصاعد الخطر على القضاء في ليبيا
ليبيا، 17 يوليو 2025 - تدين جمعية عدالة للجميع بأشد العبارات الاعتداء المسلح الذي استهدف محكمة بوسليم الجزئية في العاصمة طرابلس، يوم الثلاثاء 15 يوليو 2025، من قبل عناصر تابعة لجهاز الأمن العام، بقيادة عبد الله الطرابلسي.
وقع هذا الهجوم عقب إصدار المحكمة حكماً ضد أحد أفراد الجهاز، حيث أقدمت العناصر المسلحة على محاصرة المبنى القضائي وإطلاق النار بشكل عشوائي على المحكمة، مما أدى إلى وابل من الرصاص داخل المبنى وأسفر عن حالة من الذعر بين القضاة والموظفين والمحامين ؛ وأمام خطورة هذا الاعتداء، قررت الهيئة القضائية تعليق العمل مؤقتاً كخطوة احتجاجية على هذا الاعتداء السافر. إن تكرار مثل هذه الحوادث يُظهر بوضوح نمطاً من العنف المنظم والممنهج الذي يستهدف استقلال السلطة القضائية في ليبيا.
حماية القضاء ليست مسؤولية قضائية فقط، بل هي مسؤولية وطنية
اعتداءات متكررة وتراجع سيادة القانون في ليبيا
تأتي هذه الحادثة ضمن سلسلة من الاعتداءات المتزايدة ضد المؤسسات القضائية في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، في ظل ضعف منظومة المحاسبة، وغياب الحماية الهيكلية للقضاة، وتوسع رهيب لنفوذ الجماعات المسلحة؛ وقد وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية حالات متعددة من التهديد، والترهيب، والاختطاف، بل وعمليات اغتيال طالت قضاة ومحامين.
من بين أبرز الانتهاكات المسجّلة مؤخرًا:
· الاعتداء المسلح على القاضي أحمد القطعاني داخل محكمة جنوب بنغازي الابتدائية في 13 يونيو 2024؛
· محاولة اغتيال القاضي عبد الجواد العلوس في مدينة الخمس بتاريخ 21 أكتوبر 2024، بإطلاق كثيف للنار على منزله؛
· الاعتقال التعسفي للمحامي منير العابد في بنغازي بتاريخ 13 مارس 2025، من قبل عناصر من جهاز الأمن الداخلي دون أي إجراءات قانونية.
يثير هذا الاعتداء الأخير قلقاً بالغاً لما ينطوي عليه من تداخل خطير بين نفوذ الجماعات المسلحة ومؤسسات الدولة الرسمية، بما يشكل تهديداً مضاعفاً لاستقلال السلطة القضائية، ويؤشر إلى تصاعد نفوذ التشكيلات المسلحة خارج نطاق الرقابة القانونية والمساءلة المؤسسية.
انتهاك للدستور والقانون الدولي
يمثل هذا الاعتداء انتهاكاً صارخاً للدستور الليبي المؤقت، لا سيما المادة 31 التي تكرّس استقلال القضاء، كما يشكل خرقاً لالتزامات الدولة الليبية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14)، والذي يضمن الحق في محاكمة عادلة أمام قضاء مستقل ومحايد.
إن الإفلات المتكرر من العقاب في حوادث سابقة مماثلة يهدد بإضعاف الثقة في المنظومة القضائية، ويعرّض حياة العاملين في هذا القطاع للخطر، ويقوض أسس سيادة القانون.
مطالب عدالة للجميع
انطلاقاً من مسؤوليتها في الدفاع عن الحق في العدالة، تطالب جمعية عدالة للجميع بما يلي:
-فتح تحقيق قضائي شفاف، مستقل، وفوري في حادثة محكمة بوسليم، وتحديد المسؤوليات الفردية، وتقديم جميع المتورطين إلى العدالة؛
-فصل الهياكل الأمنية عن أي نفوذ سياسي، وضمان خضوع جميع التشكيلات المسلحة إلى رقابة قانونية ومساءلة قضائية عادلة و فعالة ؛
-ضمان حماية مؤسسية ودائمة للقضاة والمحامين، عبر إجراءات تنفيذية واضحة، تشمل تفعيل دور الشرطة القضائية وتعزيز سلطة أوامر النيابة العامة.
التوصيات
إلى المؤسسات الوطنية
تدعو جمعية عدالة للجميع:
- نقابات المحامين والجمعيات المهنية إلى التضامن مع القضاة والعاملين في سلك العدالة، والدفاع عن استقلالية القضاء وحق المواطنين في الوصول إلى العدالة، ورفض منطق القوة والابتزاز والترهيب؛
- المجلس الأعلى للقضاء إلى توثيق جميع الاعتداءات والانتهاكات التي تطال الجهاز القضائي، وتفعيل آليات وطنية لحماية المؤسسات العدلية والرد المؤسسي المنسق على أي تهديدات مباشرة أو غير مباشرة؛
إلى المجتمع الدولي
تدعو جمعية عدالة للجميع:
المجتمع الدولي ومجموعة العمل المعنية بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وخاصة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى اتخاذ إجراءات عملية وداعمة من أجل ضمان احترام استقلال القضاء، ودعم برامج الحماية المؤسسية للقضاة والمحامين، وتوفير الدعم الفني واللوجستي لتعزيز سيادة القانون؛
إلى أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
تدعو جمعية عدالة للجميع:
- أعضاء مجلس حقوق الإنسان إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية بشكل عاجل، تُعنى بتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بالانتهاكات التي تطال السلطة القضائية والعاملين بها، وتحديد المسؤوليات الجنائية للجهات والأفراد المتورطين، وذلك بهدف دعم القضاة وأعضاء النيابة العامة والمؤسسات القضائية والمحامين والمجتمع المدني في جهودهم الرامية إلى استعادة سيادة القانون وضمان تمتع المواطنين بكافة حقوقهم الأساسية وفق المعايير الدولية.
من أجل إنقاذ العدالة في ليبيا
تؤكد جمعية عدالة للجميع أن حماية القضاء ليست مسؤولية قضاته فقط، بل هي مسؤولية وطنية جامعة تتعلق بمستقبل ليبيا كدولة قانون ومؤسسات وأن أي تساهل مع الاعتداءات على المحاكم والقضاة يؤدي إلى شلل دائم في النظام القضائي، ويُرسخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات التي تطال حقوق المواطنين الأساسية.
تجدد عدالة للجميع التزامها الكامل بمناصرة استقلال القضاء، ومراقبة أي محاولات لتقويضه، وتقديم الاستشارة القانونية والإعلامية لكل من يعمل من أجل عدالة حقيقية وآمنة ومستقلة في ليبيا.

