انتكاسة خطيرة لحرية تكوين الجمعيات: السلطات التونسية تعلّق عمل منظمات مدنية بارزة

انتكاسة خطيرة لحرية تكوين الجمعيات

تعرب عدالة للجميع عن قلقها البالغ إزاء قرار السلطات التونسية القاضي بتعليق نشاط عدد من منظمات المجتمع المدني البارزة، من بينها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمدة شهر.

تشير المعلومات المتوفّرة إلى أنّ القرارات بناءً على إذن على عريضة تقدّم به الكاتب العام للحكومة لرئيس المحكمة الإدارية بتونس. وتأتي هذه القرارات في إطار حملة ممنهجة استهدفت في وقت متزامن عددًا من الجمعيات المستقلة التي تشترك في انخراطها في الشأن العام، ونقدها لسياسات السلطات، ومساهمتها في الدفاع عن الحقوق والحريات. وتشكل هذه الحملة تصعيدًا خطيرًا في القيود المفروضة على الفضاء المدني

تؤكد عدالة للجميع أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكًا واضحًا للحق في حرية تكوين الجمعيات، المكفول بموجب الفصل 37 من دستور 2022 والمادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه تونس. ولا تجيز هذه النصوص فرض أي قيود على هذا الحق إلا إذا كانت ضرورية ومتناسبة ومطابقة لمبدأ سيادة القانون.

إن تعليق نشاط منظمات مدنية عريقة في الدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية يوجه رسالة مقلقة بشأن تراجع التزام السلطات باحترام الحريات الأساسية، ويهدد بتقويض الدور الحيوي الذي تضطلع به الجمعيات المستقلة في الرقابة والمساءلة وتعزيز المشاركة العامة.

تراجع ممنهج للفضاء المدني

تلاحظ منظمة عدالة للجميع أنّ هذه الخطوة تأتي في سياق تنامي القيود المفروضة على حرية التعبير والتنظيم منذ سنة 2021، من خلال محاولات تعديل المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات، وتشديد الرقابة على التمويلات الأجنبية، واستهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان عبر حملات تشويه وملاحقات قضائية.

ومنذ 25 جويلية/تموز 2021، عمل الرئيس قيس سعيّد على تفكيك مؤسسات الضمان الديمقراطي في البلاد، وإضعاف استقلال القضاء، وتقييد حرية التعبير، وقمع الأصوات المعارضة، في مسار متواصل لتضييق الفضاء العام وتقويض دور المجتمع المدني المستقل.

إنّ تونس ملزمة باحترام وحماية وتعزيز وإعمال الحق في حرية تكوين الجمعيات، وهو حق مكفول بموجب المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. ولا يجوز فرض أي قيود على هذا الحق إلا إذا كانت منصوصًا عليها صراحة في القانون وضرورية في مجتمع ديمقراطي، أي باستخدام الوسائل الأقل تقييدًا. ويُشترط كذلك أن تكون أي قيود مفروضة متناسبة تمامًا مع الهدف المشروع الذي تسعى إلى تحقيقه، وأن تُطبّق بطريقة غير تمييزية، بما في ذلك من حيث الرأي السياسي أو المعتقد أو الانتماء.

إنّ تجاهل هذه المبادئ لا يمثّل فقط انتهاكًا للالتزامات الدولية لتونس، بل أيضًا تهديدًا لركائز النظام الديمقراطي ذاته، الذي يقوم على المشاركة، والمساءلة، واستقلال المجتمع المدني.

إنّ تعليق عمل منظمات رائدة لها تاريخ يمتد لعقود في الدفاع عن الحقوق والحريات والمساواة يوجّه إشارة سياسية خطيرة مفادها أن النقد والمساءلة لم يعودا مقبولين، ويقوّض الثقة في التزامات الدولة تجاه مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون 

. وتدعو عدالة للجميع السلطات التونسية إلى:

1.    العدول فوراً عن قرارات التعليق وإعادة تمكين الجمعيات المعنية من ممارسة أنشطتها بحرية ودون مضايقة؛

2.    ضمان احترام الإطار القانوني المنظم للجمعيات بما يتوافق مع المرسوم عدد 88 لسنة 2011 ومع المعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات؛

3.    وضع حد لأي تدخل إداري في عمل المجتمع المدني، والالتزام بمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلط؛

4.    فتح حوار شفاف وبنّاء مع منظمات المجتمع المدني حول أية مخاوف تتعلق بالحوكمة أو التمويل، بدلاً من اللجوء إلى إجراءات تقييدية أو عقابية.

 

Previous
Previous

منظمات حقوقية تطالب بالإفراج عن شاعر الحراك الجزائري محمد تَجَاّدِيت المعتقل والذي يواجه حاليًا عقوبة الإعدام

Next
Next

بيان عدالة للجميع حول الاختطاف والاعتقال التعسفي للقاضي مراد المسعودي