حوار مع مولود بومغار حول توظيف القضاء كأداة قمع في الجزائر
استقلالية السلطة القضائية في الجزائر
حوار مع الأستاذ مولود بومغار
قانوني وأستاذ جامعي بفرنسا مختص في القانون العام له عديد من المنشورات و المؤلفات وناشط حقوقي متخصص في الشأن القانوني والسياسي الجزائري
__
ما هو التقييم الذي يمكن إجراؤه للتعديل الدستوري لعام 2020، ولا سيما المادة 169، في ضوء الممارسات الاستبدادية للسلطة التنفيذية؟ هل النص الدستوري كافٍ لضمان استقلالية القضاء في سياق السلطة المركزة؟
بادئ ذي بدء، يجدر التذكير بسياق مراجعة الدستور في 1 نوفمبر 2020، التي جاءت بعد أقل من عامين على اندلاع الحراك الشعبي الذي هزّ الواجهة المدنية للنظام، وشهد رفضًا قاطعًا من قبل المتظاهرين. كما أتت هذه المراجعة بعد أقل من عام على تولي السيد تبون منصب رئيس الجمهورية، إثر انتخابات لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 40% وفقًا للأرقام الرسمية. وبالتالي، كان الهدف من مراجعة 2020 إعادة إضفاء الشرعية على المؤسسات، وإبراز صورة دولة ديمقراطية تضمن الحريات وتمتلك مؤسسات قوية. ومع ذلك، نُلاحظ عمليًا استمرار النزعات الاستبدادية والمحافظة.
تؤكد ثلاثة أمثلة بارزة أن هدف هذه المراجعة الدستورية كان تعزيز موقع الجيش والطابع السلطوي للنظام: أولًا، تُسند الفقرة 4 من المادة 30 الجديدة من الدستور المعدل إلى الجيش مهمة الدفاع عن المصالح الاستراتيجية والحيوية للبلاد، وهي صيغة غامضة قد تُتيح للجيش لعب دور الحامي للمؤسسات والدستور، وهو دور لم يُمنح للجنرال زروال عند صياغة دستور 1996. علمًا أن أحد مطالب الحراك كان تجريد الحياة السياسية من الطابع العسكري.
ثانيًا، تنص الفقرة الثانية من المادة 142 من الدستور المعدل على إلزامية مراجعة دستورية للمراسيم الرئاسية قبل إصدارها ؛ ومع ذلك، تم تعديل قانون العقوبات بموجب مرسوم في يونيو 2021، ليُدرج تعريفًا فضفاضًا للإرهاب يشمل “العمل أو التحريض، بأي وسيلة، للوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم السياسي بوسائل غير دستورية” ؛ كما أتاح المرسوم نشر قوائم للأفراد والمنظمات المصنفة كإرهابية في الجريدة الرسمية، دون شرط الإدانة القضائية.
عندما أحيل الأمر إلى المجلس الدستوري - الذي أصبح المحكمة الدستورية - أقر بأن المرسوم لا يتعارض مع الدستور، رغم أن هذا الأخير يحمي صراحةً قرينة البراءة.
ثالثًا، بخصوص حرية الصحافة، كان من المفترض أن تُعزَّز بموجب مراجعة 2020 لكن في الواقع، لم تُكمَّم الصحافة كما هو الحال اليوم منذ أوائل الألفية، وقد أسفرت التشريعات المتعلقة بالإعلام عن توسيع «الخطوط الحمراء» إلى درجة أصبحت فيها الحرية استثناء.
وبالعودة إلى المادة 169، التي تُلزم المحاكم بتعليل أحكامها، نشير إلى أن المادة 163 تنص على أن القضاء سلطة مستقلة. لكن القول لا يُغني عن الفعل.
هل يمكن للمجلس الأعلى للقضاء، الذي يترأسه رئيس الدولة بحكم القانون، أن يعمل عملياً كثقل مؤسسي موازن، أم أنه يظل وسيلة للسيطرة السياسية ومعاقبة القضاة؟
عمليًا، لا يعمل المجلس الأعلى للقضاء، المُناط به ضمان استقلال القضاء بموجب المادة 180 من الدستور، كسلطة مضادة وذلك رغم أنه يتكوّن من أغلبية قضاة منتخبين. يكفي النظر في كيفية تعامل النظام القضائي مع القضايا المصنفة “حساسة” للتشكيك في فعالية هذا المجلس ؛ فرئيس الجمهورية، الذي يترأس المجلس الأعلى للقضاء، أخلّ مرتين على الأقل بمبدأ قرينة البراءة من خلال تصريحات علنية تتعلق بصحفيين كانت إجراءات قضائية جارية بحقهم.
هل يشكل النظام الحالي لتعيين القضاة بمرسوم رئاسي عائقاً مؤسسياً أمام استقلاليتهم؟ ما هي الإصلاحات اللازمة للتخلص من هذه التبعية الهيكلية؟
لا تُشكّل مراسيم التعيين بحد ذاتها إشكالية، إذا تمت بعد مسار يضمن استقلالية القضاة، ويمنع الرئيس من التدخل في نتائجه دون مبررات جدية. المشكلة تكمن في السياق السياسي، حيث تمارس السلطة التنفيذية هيمنة شبه مطلقة على أجهزة الدولة، بينما تحافظ القيادة العسكرية العليا على دورها المحوري غير المُعلن وفي ظل هذا السياق، تظل الإصلاحات غير فعالة ما لم تكن جزءًا من مسار أشمل نحو ديمقراطية حقيقية.
إلى أي مدى نجح الدستور الجزائري لعام 2020 في الحد من نفوذ وزارة العدل على السلطة القضائية، وخاصة على النيابة العامة، من أجل ضمان الاستقلال الفعلي للقضاة؟ وهل تلبي هذه المراجعة الدستورية توقعات الفصل بين السلطات التي طالب بها الحراك الشعبي؟
رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وفي حال تغيبه، يتولى الرئيس الأول للمحكمة العليا، بصفته نائبًا له، هذه المهمة ؛ ولا يُشير الدستور أو القانون الأساسي لسنة 2022 صراحةً إلى عضوية وزير العدل في المجلس، لكن عمليًا، لا يزال للوزارة تأثير كبير، لا سيما على النيابة العامة ففي حين يتمتع القضاة بالحماية من العزل، لا تمتد هذه الحماية إلى أعضاء النيابة العامة، الذين يظلون خاضعين للتبعية والمشروع الجديد لقانون الإجراءات الجزائية يُعزز من صلاحيات النيابة، مما يُقوّض مبدأ الفصل بين السلطات.
هل يمكننا حقاً أن نتحدث عن استقلال القضاء في نظام سياسي تمارس فيه السلطة التنفيذية ضغوطاً مستمرة، توصف أحياناً بأنها “خطأ مؤسسي”، على القضاة؟ ما هي الدلائل الملموسة على ذلك؟
الجواب هو لا.
هل تشكل التنقلات الجماعية للقضاة، التي تُستخدم أحياناً بشكل تعسفي، جزءاً من استراتيجية الردع السياسي؟ وما هو تأثير هذه الممارسات على حياد الأحكام وحرية القضاة في ممارسة مهامهم؟
تُستخدم التنقلات الجماعية والتعيينات الفردية كأداة تذكير للقضاة بضرورة الانصياع. فبينما يُفترض بالقضاة الالتزام بالقانون، تُمارَس عليهم ضغوط غير مباشرة لإرضاء السلطة التنفيذية ومثلما تُنتج البيئة القانونية قمعًا ذاتيًا لدى الصحفيين، ينطبق الأمر نفسه على القضاة.
كيف ينبغي تفسير إضرابات القضاة في أكتوبر 2019 على خلفية القمع المتزايد؟ هل كانت هذه الإضرابات بمثابة كسر لتوازن القوى بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، أم على العكس من ذلك، هل زادت من ضعف القضاة المحتجين؟
وقع هذا الحراك القضائي في سياق تعبئة شعبية واسعة مطالبة بالديمقراطية واستقلال القضاء. لكن السلطة القضائية سرعان ما انحنت، ولم تتمكن من فرض معادلة جديدة تضمن استقلاليتها واستمر استخدامها كأداة لقمع المعارضين.
هل تكشف المحاكمات السياسية أو القضايا البارزة ضد نشطاء الحراك أو الصحفيين عن وجود نظام قضائي متلاعب به وغير قادر على مقاومة تعليمات السلطة التنفيذية؟ ما هي الضمانات الغائبة؟
تعكس المحاكمات في القضايا المصنفة “حساسة” توظيف القضاء كأداة قمع. الإشكالات تبدأ من النصوص القانونية الفضفاضة، إلى التفسير التوسعي من طرف المحاكم، مرورًا بسياق سياسي يهدف إلى تجريم المعارضة السياسية والنقابية والإعلامية.
إلى أي مدى يؤثر غياب ضمانات فعالة لحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات على استقلال القضاء، لا سيما عند التعامل مع قضايا الرأي والمشاركة المدنية؟
تُستخدم إجراءات قانونية وممارسات تعسفية للالتفاف على الحماية الدستورية للحريات ؛ على سبيل المثال، يُمنع الحبس في قضايا الصحافة نظريًا، لكن يُلجأ إلى تكييف قانوني يسمح بسجن الصحفيين. كما استُخدم تفسير موسّع لمفهوم التعاون الدولي لحل جمعيات وتُشير الممارسات إلى أن القضاة يرون أنفسهم حماة للدولة بدل أن يكونوا ضامنين للحقوق، رغم النصوص الدستورية.
ما هو الدور الذي لا يزال بوسع المحامين ونقابات المحامين أن يلعبوه في ظل توسيع القمع ليشمل الدفاع؟
أشارت المقررة الخاصة للأمم المتحدة في يناير 2025 إلى استهداف المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان. وقد سبق إدانة محامين مثل عبد الرؤوف أرسلان بتهم ذات طابع سياسي. ويُمارس الضغط لإسكات المحامين خارج قاعة المحكمة. أما نقابات المحامين، فقليل منها يُبدي دعمه لأعضائه المُستهدفين.
إلى أي حد تم تكييف النظام القضائي الجزائري، وريث النموذج الاستعماري الفرنسي، لخدمة المنطق الاستبدادي؟
المشكلة لا تكمن في الإرث الاستعماري بحد ذاته، فدول لم تكن مستعمرة تُظهر مستويات أعلى من القمع. إنما الإشكال في غياب الديمقراطية، وكون النظام السياسي بقي سلطويًا منذ الاستقلال ؛ مع ذلك، فإن استقلال القضاء يُعد طموحًا راسخًا في المجتمع وهو ما أظهره الحراك.
كيف يمكن ضمان الوصول الحقيقي والمتكافئ إلى العدالة للمواطنين، خاصةً الفئات الهشة، في ظل خضوع القضاء للسلطة التنفيذية؟ وهل يمكن للاتفاقيات الدولية أن تلعب دورًا ملزمًا؟
يمكن تحقيق تحسينات على مستوى القضايا غير السياسية، لكن في القضايا الحساسة، لن تُجدي نفعًا دون تغيير سياسي. رغم أن المعاهدات المصادق عليها تعلو القوانين الوطنية، إلا أن القضاة نادرًا ما يحتكمون إليها، ولا يُفعلها المحامون بما يكفي.
ما هي الآليات القانونية أو المؤسسية الكفيلة بالحد من تدخل السلطة التنفيذية وتقريب الجزائر من المعايير الدولية؟
ثمة آليات عديدة ممكنة، لكن تظل محدودة الفعالية ما لم تُقرَن بتحول سياسي ديمقراطي حقيقي. إن تطابق النصوص مع المعايير الدولية ضروري لكنه غير كافٍ في ظل غياب ثقافة سياسية ومجتمعية داعمة.
في ظل انعدام الثقة والضغط الداخلي، ما هو مجال المناورة المتاح للقضاة لاستعادة الثقة دون التعرض للانتقام؟ وهل يمكن تصور مقاومة قضائية داخل نظام استبدادي؟
لا يبدو أن السلطة القضائية في وضع يسمح لها بلعب دور محوري في التغيير. لكن المطالبة الشعبية بقضاء مستقل ومحاكمات عادلة تُشكّل حقيقة سياسية راسخة، حتى لو تراجعت التعبئة العامة. ويكمن التحدي في كيفية تحويل هذا الطموح إلى واقع.

