قضية أسامة نجيم المصري المدير السابق لمركز احتجاز معيتيقة : تحليل قانوني حول تحدي إيطاليا للمحكمة الجنائية الدولية وتهديد العدالة الدولية
"يشكل عدم تسليم أفراد، مثل آمر الشرطة القضائية في غرب ليبيا أسامة نجيم، إلى المحكمة الجنائية الدولية انتهاكاً جسيماً للمادة 89 من النظام الأساسي"
غريغوري ثوان ديت ديودونيه، محامٍ في نقابة المحامين في ستراسبورغ، وعضو في اتحاد المحامين الأوروبيين
في تحليل قانوني، يتناول الأستاذ جريجوري ثوان ديت ديودونيه، المحامي في نقابة ستراسبورغ وعضو اتحاد المحامين الأوروبيين ورئيس لجان "حقوق الإنسان" فيه، الإفراج المثير للجدل عن اسامة نجيم المصري، المدير السابق لجهاز العمليات والأمن القضائي ورئيس سابق لمركز احتجاز معيتيقة سيئ السمعة قرب طرابلس و المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية (قتل، اغتصاب، تعذيب) في سجن معيتيقة.
أُوقف اسامة نجيم المصري في تورينو بإيطاليا يوم 19 يناير 2025 بموجب مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، لكن السلطات الإيطالية أطلقت سراحه في 21 يناير 2025 بدعوى "انتهاكات إجرائية".
يُظهر هذا القرار، حسب ثوان، تدخلاً تنفيذياً خطيراً ينتهك المادة 89 من نظام روما، ويهدد مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون.
ويحذر جريجوري ثوان حول قضية أسامة نجيم المصري: «يشكل عدم تسليم أفراد، مثل أسامة نجيم المصري، إلى المحكمة الجنائية الدولية انتهاكاً جسيماً للمادة 89 من النظام الأساسي» . هذا الإخلال يعرقل العدالة الدولية ويعزز الإفلات من العقاب لجرائم خطيرة.
أدانت جمعية عدالة للجميع بشدة هذا الإفراج في بيانها بتاريخ 24 يناير 2025، داعية السلطات الليبية إلى تسليم نجيم فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية لضمان المحاسبة .
_
قضية أسامة نجيم المصري المدير السابق لمركز احتجاز معيتيقة : تحليل قانوني حول تحدي إيطاليا للمحكمة الجنائية الدولية وتهديد العدالة الدولية
التزامات الدول الأطراف وفقاً لنظام روما الأساسي
تلتزم الدول الأطراف في نظام روما الأساسي بالامتثال لطلبات المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما تلك الواردة في المادة 89، التي تنص صراحة على الالتزام بتنفيذ أوامر التوقيف وتسليم الأفراد الصادرة بحقهم مذكرات توقيف. ويُعد عدم تسليم أشخاص مثل آمر الشرطة القضائية في غرب ليبيا، أسامة نجيم، إلى المحكمة، انتهاكًا جسيمًا للمادة 89 من النظام الأساسي.
ويشمل هذا الالتزام التعاون الكامل مع المحكمة، بما في ذلك اتخاذ تدابير مثل حجز الأدلة أو الأجهزة التي بحوزة المشتبه فيهم والتي قد تحتوي على أدلة، وذلك على النحو المنصوص عليه في المادتين 93(1)(ح) و99(1) من النظام الأساسي، وتسليم تلك الأدلة إلى المحكمة. كما يشمل ذلك أيضاً التوقيف المؤقت للمشتبه فيهم وإبلاغ المحكمة بالتدابير المتخذة.
وفي الحالات التي تواجه فيها دولة ما صعوبات في تنفيذ هذه الطلبات، تنص المادة 97 على ضرورة إجراء مشاورات عاجلة مع المحكمة لحل هذه الإشكالات. وتشكل هذه الالتزامات جزءاً لا يتجزأ من حسن سير عمل المحكمة الجنائية الدولية وتحقيق العدالة الدولية. ويؤدي عدم الامتثال إلى تقويض أهداف نظام روما الأساسي وتقليص فرص المحاسبة على الجرائم الدولية الخطيرة.
على الرغم من وجود العديد من التحقيقات الجارية، لا تزال المحكمة تواجه صعوبات متكررة بسبب عدم تنفيذ الاعتقالات، إذ توجد حالياً أكثر من 30 مذكرة توقيف نشطة صادرة في سياقات متعددة حول العالم.
الجزاءات والعواقب في حالة الإخلال
بموجب نظام روما الأساسي، تُلزم الدول الأطراف قانوناً بالتعاون الكامل مع المحكمة، خصوصاً فيما يتعلق بتنفيذ مذكرات التوقيف. ويُعد هذا الالتزام جوهرياً للحفاظ على مصداقية المحكمة وفعاليتها في التعامل مع الفظائع الجماعية، بما في ذلك جرائم التعذيب والاغتصاب والقتل.
وتخول المادة 87(7) المدعي العام أن يطلب من المحكمة إصدار قرار رسمي بعدم الامتثال. وفي حال صدور مثل هذا القرار، يمكن إحالة المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو، عند الاقتضاء، إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ومن الناحية النظرية، قد تترتب على هذه الإحالات آثار قانونية وعواقب سياسية أو مرتبطة بسمعة الدولة غير الممتثلة، مثل الإدانة الدبلوماسية أو الانتقاد الدولي أو فرض عقوبات سياسية من قبل دول أو منظمات دولية.
ففي عامي 2012 و2017، أصدرت المحكمة قرارات بعدم امتثال ضد دول أطراف لم تقم باعتقال وتسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وأحالت عدم تعاون كل من تشاد وكينيا وجيبوتي وملاوي وأوغندا والأردن إلى مجلس الأمن وجمعية الدول الأطراف.
وفي عام 2016، أحالت المحكمة حكومة كينيا إلى الجمعية بسبب عدم امتثالها لالتزاماتها في القضية ضد الرئيس أوهورو كينياتا. وفي عام 2024، قررت المحكمة أن منغوليا لم تعتقل فلاديمير بوتين أثناء زيارته، واعتبرت ذلك انتهاكاً للمادة 87(7)، وأحالت المسألة إلى الجمعية.
أما الإجراء المتخذ ضد إيطاليا، فهو الأحدث في هذا السياق. ويجوز للدولة المعنية الطعن في قرار عدم الامتثال، كما حدث في عام 2019 عندما نجح الأردن في إلغاء إحالة قضيته إلى الجمعية.
وفي قرار منقسم، أكدت غرفة الاستئناف أن الأردن انتهك التزاماته الدولية بعدم اعتقال البشير، لكنها رأت أن الدائرة التمهيدية الثانية لم تمارس سلطتها التقديرية بشكل سليم عند الإحالة، لكونها لم تعامل جنوب إفريقيا بالمثل، كما أن الأردن طلب استشارة المحكمة بشأن ما إذا كان الاعتقال (1) يتعارض مع التزاماته الدولية الأخرى، خاصة فيما يتعلق بحصانة رؤساء الدول.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه القضية أتاحت لغرفة الاستئناف فرصة التأكيد على أن السودان، رغم أنه ليس طرفاً في نظام روما الأساسي، يظل عضواً في الأمم المتحدة، وبالتالي يخضع لسلطة مجلس الأمن ولا يمكنه التذرع بحصانة رئيس الدولة فيما يتعلق بأوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة.
تنطبق القاعدة 103 المتعلقة بـ"صديق المحكمة" (Amicus Curiae) على هذه الإجراءات، مما يتيح للأطراف الثالثة المهتمة، مثل المنظمات غير الحكومية والأكاديميين، التقدم بطلبات للمشاركة في المرحلة التمهيدية أمام المحكمة.
فعلى سبيل المثال، في قضية البشير المتعلقة بالأردن، قُدمت عدة مذكرات "صديق المحكمة"، لا سيما من خبراء أكاديميين والاتحاد الإفريقي، للتعبير عن وجهات نظرهم بشأن حصانة رئيس الدولة.
وسوف يكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان الاتحاد الأوروبي أو مجلس أوروبا أو دول أخرى ستتخذ مواقف واضحة في الإجراءات الجارية ضد إيطاليا، وحالياً ضد المجر. كما قد يكون من الممكن لمنظمة غير حكومية ليبية تقديم طلب رسمي لتقديم مذكرة "صديق المحكمة".
وعلى حد علمنا، لم يتم التدخل في الإجراءات القضائية ضد منغوليا في قضية بوتين، ولا في تلك ضد المجر في قضية نتنياهو. ويواصل مكتب عدم التعاون التابع للمحكمة الإبلاغ عن هذه الإجراءات ونتائجها.
في الختام، لا بد من التأكيد على قوة القانون الدولي العام، وعلى طبيعته الملزمة قانوناً، وعلى وجوب احترامه من قبل جميع الدول الأعضاء المعنية.

